الغريبة
غابت الشمس وهي جالسة هناك على المقعد الخشبي القديم في الحديقة العامة، غابت الشمس وبقيت تنتظر لعلها تأتي، نظرت في ساعتها، مرت خمسون دقيقة وهي تنتظر، نظرت حولها يمنة ويسرة، أضواء الشوارع أنيرت، والحديقة خلت من زوارها وهي لا زالت تنتظر.
تجولت في الحديقة، مشت قرب الأشجار الكبيرة، وذهبت حيث زرعت أشجار الورد، مشت طويلا، وعادت من ذاك الممر مرة أخرى إلى المقعد الخشبي القديم لعلها تجد الزائرة الغريبة لكنها لم تأت بعد.
ملّت من الانتظار الطويل، نظرت في ساعتها مرة أخرى، تزاحمت الأفكار في ذهنها، هل تذهب! أم تنتظر! يا ليتها تركت رقم هاتفها، أو عنوانا قريبا تسأل من خلاله عنها. أين هي! لم تركتني أنتظرها هنا ولم تأت!
أخيرا وقفت، قررت أن تذهب، أيّ قدر ذاك الذي جاء بذلك الاتصال عبر جوالها ليخبرها أن صديقة لها منذ عهد الطفولة تنتظرها في الحديقة العامة! مشت نحو باب الحديقة، وصلت الباب، مشت في الشارع قليلا، صامتة عابسة تلعن القدر وتشتم الأيام، ثم وقفت تتنهد واستسلمت لما كان وحاولت أن تنسى أنها كانت تنتظر أحدا ما على المقعد الخشبي القديم. أوقفت سيارة أجرة، وقالت له: فندق الشيراتون لو سمحت. كانت متعبة والوقت قد ناهز التاسعة كان يجب أن تكون هناك منذ نصف ساعة، لماذا تأخرت! الصيف طويل لكنه يمضي دائما بلا فائدة. ليس هناك ما يجعلها تصل باكراً، لكنها اعتادت أن تكون في غرفتها عند التاسعة تماما.
دخلت الفندق، نظرت حولها في الصالة، لعل تلك الغريبة لم تجدها في الحديقة فذهبت تسأل عنها في الفندق لكنها لم تكن تعرف عنوان الفندق فكيف ستأتي! يبدو أنها فكرة غبية، تنهدت مرة أخرى وذهبت تحضر مفتاح الغرفة، سألت الموظفة إن كان قد اتصل بها أحد هنا أو سأل عنها فأجابتها بالنفي، أخذت مفتاحها وطلبت منها عدم الازعاج بأي اتصالات قد تسأل عنها، كانت ترغب بليلة هادئة ساكنة.
ركبت المصعد بإتجاه غرفتها، كان زوار الفندق لا يزالون في الخارج، ركبت المصعد مع رجلين وامرأة قد جاوزت الخمسين من عمرها، يبدو أنها ليست عربية، قد تكون فرنسية، لكنها لم تتأكد، هل من الممكن أن تكون صاعدة إلى غرفتها! لعلها تلك من كلّمتها؟ لكن هل تعرف العربية! وكيف يمكن أن تكون صديقة الطفولة.
لم يلاحقها ظلّ تلك الغريبة؟ وصل المصعد الى الطابق المطلوب وخرجوا، لاحقتها بنظراتها لعلّها تنعطف يسارا لكنها ذهبت يمينا، لَم تكن ذاهبة لغرفتها، غاب آخر أمل كان للقاء تلك الغريبة. إنعطفت يسارا ومشت إلى الأمام، وعندما وصلت أخرجت مفتاح غرفتها، وأغلقت الباب وراءها بقوة، ألقت حقيبتها على السرير، خلعت حجابها بعنف لم تعهده وقميصها وألقت حذائها أسفل سريرها وألقت بنفسها على وسادتها. لحظات صامتة مرت، لكنها كانت ذاك الصمت الذي يسبق العاصفة.
بكت كثيرا ثم شهقت ثم بكت، ثم قامت تجري كالمجنونة إلى حيث المغسلة تغسل دموعها ثم تبكي، كانت أول مرة تبكي بصدق عظيم يروي عطش الغضب المجنون بداخلها. رفعت رأسها، نظرت في تلك المرآة أماها: من أنتِ؟ من أنتِ أيتها الفتاة الواقفة أمامي؟ لَم ألحظ وجودك من قبل! من أنت؟ أكنت معي طوال الوقت؟ هل كنت الغريبة التي أنتظر؟ من أنت؟ لماذا لم أشاهدك؟ ألم تلحظي غربتي ووحدتي في هذه الغرفة اللعينة وهذه الجدران الوردية الشاحبة؟ لماذا كنت هناك! لو تخبريني؟ لماذا لَم تنطقي، لماذا بقيت صامتة عابسة شاحبة طوال الوقت؟ لماذا تركت قلبي ينفطر من وحدته؟ لماذا تركتني أيتها الفتاة من غير أن تنبئيني بوجودك؟ أخجلت من نفسك؟ أم أردت أن تعاقبيني بصمتك؟ لربما كان لك في يومي مكان، أو لربما كان لك في حياتي مشهد لعل بعض الوقت معك سيترك تغييرا كبيرا في حياتي.
لِم كنت أمامي طوال الوقت ولم تنطقي بكلمة! لم بقيت عابسة صامتة غريبة، لم! لم بقيت هناك بعيدا أيتها الفتاة الغريبة الماثلة أمامي!
غابت الشمس وهي جالسة هناك على المقعد الخشبي القديم في الحديقة العامة، غابت الشمس وبقيت تنتظر لعلها تأتي، نظرت في ساعتها، مرت خمسون دقيقة وهي تنتظر، نظرت حولها يمنة ويسرة، أضواء الشوارع أنيرت، والحديقة خلت من زوارها وهي لا زالت تنتظر.
تجولت في الحديقة، مشت قرب الأشجار الكبيرة، وذهبت حيث زرعت أشجار الورد، مشت طويلا، وعادت من ذاك الممر مرة أخرى إلى المقعد الخشبي القديم لعلها تجد الزائرة الغريبة لكنها لم تأت بعد.
ملّت من الانتظار الطويل، نظرت في ساعتها مرة أخرى، تزاحمت الأفكار في ذهنها، هل تذهب! أم تنتظر! يا ليتها تركت رقم هاتفها، أو عنوانا قريبا تسأل من خلاله عنها. أين هي! لم تركتني أنتظرها هنا ولم تأت!
أخيرا وقفت، قررت أن تذهب، أيّ قدر ذاك الذي جاء بذلك الاتصال عبر جوالها ليخبرها أن صديقة لها منذ عهد الطفولة تنتظرها في الحديقة العامة! مشت نحو باب الحديقة، وصلت الباب، مشت في الشارع قليلا، صامتة عابسة تلعن القدر وتشتم الأيام، ثم وقفت تتنهد واستسلمت لما كان وحاولت أن تنسى أنها كانت تنتظر أحدا ما على المقعد الخشبي القديم. أوقفت سيارة أجرة، وقالت له: فندق الشيراتون لو سمحت. كانت متعبة والوقت قد ناهز التاسعة كان يجب أن تكون هناك منذ نصف ساعة، لماذا تأخرت! الصيف طويل لكنه يمضي دائما بلا فائدة. ليس هناك ما يجعلها تصل باكراً، لكنها اعتادت أن تكون في غرفتها عند التاسعة تماما.
دخلت الفندق، نظرت حولها في الصالة، لعل تلك الغريبة لم تجدها في الحديقة فذهبت تسأل عنها في الفندق لكنها لم تكن تعرف عنوان الفندق فكيف ستأتي! يبدو أنها فكرة غبية، تنهدت مرة أخرى وذهبت تحضر مفتاح الغرفة، سألت الموظفة إن كان قد اتصل بها أحد هنا أو سأل عنها فأجابتها بالنفي، أخذت مفتاحها وطلبت منها عدم الازعاج بأي اتصالات قد تسأل عنها، كانت ترغب بليلة هادئة ساكنة.
ركبت المصعد بإتجاه غرفتها، كان زوار الفندق لا يزالون في الخارج، ركبت المصعد مع رجلين وامرأة قد جاوزت الخمسين من عمرها، يبدو أنها ليست عربية، قد تكون فرنسية، لكنها لم تتأكد، هل من الممكن أن تكون صاعدة إلى غرفتها! لعلها تلك من كلّمتها؟ لكن هل تعرف العربية! وكيف يمكن أن تكون صديقة الطفولة.
لم يلاحقها ظلّ تلك الغريبة؟ وصل المصعد الى الطابق المطلوب وخرجوا، لاحقتها بنظراتها لعلّها تنعطف يسارا لكنها ذهبت يمينا، لَم تكن ذاهبة لغرفتها، غاب آخر أمل كان للقاء تلك الغريبة. إنعطفت يسارا ومشت إلى الأمام، وعندما وصلت أخرجت مفتاح غرفتها، وأغلقت الباب وراءها بقوة، ألقت حقيبتها على السرير، خلعت حجابها بعنف لم تعهده وقميصها وألقت حذائها أسفل سريرها وألقت بنفسها على وسادتها. لحظات صامتة مرت، لكنها كانت ذاك الصمت الذي يسبق العاصفة.
بكت كثيرا ثم شهقت ثم بكت، ثم قامت تجري كالمجنونة إلى حيث المغسلة تغسل دموعها ثم تبكي، كانت أول مرة تبكي بصدق عظيم يروي عطش الغضب المجنون بداخلها. رفعت رأسها، نظرت في تلك المرآة أماها: من أنتِ؟ من أنتِ أيتها الفتاة الواقفة أمامي؟ لَم ألحظ وجودك من قبل! من أنت؟ أكنت معي طوال الوقت؟ هل كنت الغريبة التي أنتظر؟ من أنت؟ لماذا لم أشاهدك؟ ألم تلحظي غربتي ووحدتي في هذه الغرفة اللعينة وهذه الجدران الوردية الشاحبة؟ لماذا كنت هناك! لو تخبريني؟ لماذا لَم تنطقي، لماذا بقيت صامتة عابسة شاحبة طوال الوقت؟ لماذا تركت قلبي ينفطر من وحدته؟ لماذا تركتني أيتها الفتاة من غير أن تنبئيني بوجودك؟ أخجلت من نفسك؟ أم أردت أن تعاقبيني بصمتك؟ لربما كان لك في يومي مكان، أو لربما كان لك في حياتي مشهد لعل بعض الوقت معك سيترك تغييرا كبيرا في حياتي.
لِم كنت أمامي طوال الوقت ولم تنطقي بكلمة! لم بقيت عابسة صامتة غريبة، لم! لم بقيت هناك بعيدا أيتها الفتاة الغريبة الماثلة أمامي!